يُعتبر اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) من أكثر الاضطرابات النمائية العصبية شيوعًا بين الأطفال حول العالم. يظهر في السنوات الأولى من عمر الطفل ويتميز بثلاث سمات أساسية: فرط النشاط، الاندفاعية، وتشتت الانتباه. وغالبًا ما يؤثر هذا الاضطراب على الأداء الدراسي والسلوك الاجتماعي والعلاقات الأسرية.
ورغم أن كثيرين يظنون أن الطفل “المتحرك أكثر من اللازم” هو فقط طفل نشيط، إلا أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هو حالة طبية حقيقية تتطلب علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه بشكل علمي ومدروس لتحقيق أفضل النتائج.
والآن سنناقش تعريف الاضطراب، أسبابه، أعراضه، تأثيره على حياة الطفل، وطرق التعامل معه من خلال أحدث أساليب علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه.
أولاً: ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هو حالة عصبية تطورية تبدأ في الطفولة، وتؤثر على طريقة عمل الدماغ خاصة في المناطق المسؤولة عن التنظيم، والتركيز، وضبط السلوك. الطفل المصاب يجد صعوبة في الجلوس بهدوء أو التركيز على مهمة واحدة لفترة طويلة، كما يتصرف بشكل اندفاعي دون التفكير في العواقب.
ويختلف هذا الاضطراب عن النشاط الزائد الطبيعي الذي يظهر لدى بعض الأطفال في مراحل النمو. فبينما يستطيع الطفل الطبيعي التوقف عندما يُطلب منه، يجد الطفل المصاب صعوبة في التحكم بسلوكه حتى مع وجود التوجيهات.
تشير الدراسات إلى أن الاضطراب يصيب الذكور أكثر من الإناث، وغالبًا ما يستمر حتى المراهقة وربما البلوغ إن لم يتم التدخل المبكر عبر علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه المناسب.
ثانياً: أسباب اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
لا يوجد سبب واحد واضح لهذا الاضطراب، بل تتداخل مجموعة من العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية.
من أبرز هذه الأسباب:
- العوامل الوراثية:
تشير الأبحاث إلى أن للوراثة دورًا كبيرًا، فوجود تاريخ عائلي للإصابة يزيد من احتمالية ظهور الاضطراب لدى الأبناء. - خلل في كيمياء الدماغ:
يرتبط الاضطراب بخلل في مستويات بعض الناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورإبينفرين، وهما المسؤولان عن تنظيم الانتباه والتحكم في السلوك. - العوامل البيئية:
التعرض أثناء الحمل للمواد السامة مثل التدخين أو الكحول أو التلوث قد يزيد من خطر الإصابة. كما أن الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الطفل عند الولادة من العوامل المساعدة. - العوامل النفسية والاجتماعية:
بيئة غير مستقرة، أو تربية قاسية، أو إهمال الطفل عاطفيًا قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض وإن لم تكن السبب الرئيسي في حدوث الاضطراب. 
كل هذه العوامل تجعل من الضروري التعامل مع الحالة بشكل شامل في إطار برامج علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه التي تراعي الجانب الطبي والسلوكي والنفسي معًا.
ثالثاً: أنواع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
يصنف الأطباء هذا الاضطراب إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- النوع المفرط النشاط – الاندفاعي:
يظهر فيه الطفل كثير الحركة، لا يستطيع الجلوس، يقاطع الآخرين باستمرار، ويتصرف دون تفكير. - النوع الذي يغلب عليه تشتت الانتباه:
يواجه الطفل صعوبة في التركيز، وينسى المهام اليومية، ويبدو دائم الشرود. - النوع المركب:
وهو الأكثر شيوعًا، حيث تظهر أعراض فرط النشاط وتشتت الانتباه معًا بدرجات متفاوتة. 
تحديد نوع الاضطراب بدقة يساعد في اختيار الخطة المناسبة ضمن علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه لتحقيق أفضل النتائج.
رابعاً: أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
1. أعراض تشتت الانتباه
- صعوبة في التركيز على المهام أو الأنشطة.
 - تجنب المهام التي تتطلب مجهودًا ذهنيًا طويلًا.
 - التشتت بسهولة بسبب الأصوات أو المؤثرات البسيطة.
 
2. أعراض فرط الحركة
- التحرك باستمرار حتى في المواقف التي تتطلب الهدوء.
 - صعوبة في البقاء جالسًا لفترة طويلة.
 - الكلام المفرط والمقاطعة المتكررة.
 - تسلق الأشياء أو الجري في أماكن غير مناسبة.
 
3. أعراض الاندفاعية
- التسرع في الإجابة قبل انتهاء السؤال.
 - مقاطعة الآخرين أثناء الحديث أو اللعب.
 - عدم انتظار الدور في الأنشطة أو الألعاب.
 
إذا ظهرت هذه الأعراض بشكل متكرر ولفترة تتجاوز ستة أشهر، وكان لها تأثير سلبي على الأداء المدرسي أو الاجتماعي، فيجب عندها البدء بمرحلة التشخيص والعلاج ضمن برامج علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه.
خامساً: تأثير اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه على الطفل والأسرة
يؤثر الاضطراب على جوانب متعددة من حياة الطفل. في المدرسة، يواجه صعوبة في التركيز على التعليمات، مما يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي. كما قد يُساء فهم سلوكه على أنه تمرد أو قلة احترام، بينما هو في الحقيقة غير قادر على التحكم بسلوكياته.
أما داخل الأسرة، فقد تنشأ خلافات بين الأهل نتيجة الإرهاق المستمر في التعامل مع الطفل، وقد يشعر الطفل نفسه بالإحباط أو الذنب عندما يلاحظ غضب والديه المتكرر. كل هذه التحديات تجعل الحاجة إلى علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه أمرًا أساسيًا لحماية الطفل والأسرة من الضغوط النفسية والعاطفية.
سادساً: تشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
يُعد التشخيص الدقيق حجر الأساس في العلاج. يعتمد الطبيب أو الأخصائي النفسي على مجموعة من الأدوات منها:
- المقابلات مع الأهل والمعلمين.
 - استبيانات تقييم السلوك.
 - الملاحظة المباشرة للطفل.
 - فحوصات طبية للتأكد من عدم وجود أسباب عضوية مشابهة للأعراض.
 
يجب أن تظهر الأعراض قبل سن الثانية عشرة وأن تكون موجودة في أكثر من بيئة (مثل المدرسة والمنزل) حتى يُؤكد التشخيص.
بمجرد التشخيص، يبدأ المختص في إعداد خطة علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه الملائمة حسب شدة الحالة وعمر الطفل.
سابعاً: طرق علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه
تُعتبر علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه عملية متعددة الجوانب تشمل الجوانب السلوكية، النفسية، التعليمية، وأحيانًا الدوائية. وفيما يلي أهم أساليب العلاج:
1. العلاج السلوكي
يُعد من أكثر الطرق فعالية، ويهدف إلى تعليم الطفل كيفية التحكم بسلوكه، من خلال تعزيز السلوك الإيجابي وتجاهل السلوك السلبي. يتم تدريب الأهل والمعلمين على استخدام نظام المكافآت والعقوبات البسيطة لمساعدة الطفل على تطوير مهارات الانضباط الذاتي.
2. العلاج النفسي (العلاج المعرفي السلوكي)
يساعد الطفل على فهم مشاعره وتصحيح الأفكار السلبية التي تجعله يشعر بالفشل أو النقص. كما يُستخدم لمساعدة الأهل على التعامل مع الضغوط اليومية الناتجة عن رعاية طفل يعاني من الاضطراب.
3. العلاج الدوائي
في بعض الحالات، قد يصف الطبيب أدوية منبهة للجهاز العصبي المركزي تساعد على زيادة تركيز الطفل وتقليل فرط النشاط. ورغم فاعليتها، يجب أن تكون تحت إشراف طبي صارم لتجنب أي آثار جانبية.
تُعتبر الأدوية أداة مكملة ضمن خطة شاملة لـ علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه وليست الحل الوحيد.
4. الدعم الأسري والتربوي
دور الأسرة لا يقل أهمية عن دور الطبيب. إذ يجب أن يكون الوالدان صبورين ومتفهمين، ويستخدمان استراتيجيات تربوية إيجابية. كما ينبغي على المعلمين توفير بيئة تعليمية مرنة تراعي احتياجات الطفل الخاصة.
5. تعديل نمط الحياة
يتضمن ذلك تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة بانتظام، وتنظيم النوم، وتقديم نظام غذائي متوازن غني بالأطعمة الصحية، وتقليل استهلاك السكريات والمنبهات.
كل هذه العناصر تشكل معًا الأساس المتكامل لنجاح برامج علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه.
ثامناً: دور الأسرة في دعم الطفل المصاب
يُعد الدعم الأسري أحد أهم عوامل نجاح العلاج. يحتاج الطفل إلى الشعور بالأمان والتقبل داخل أسرته. يجب على الأهل:
- تجنب توبيخ الطفل أو مقارنته بغيره.
 - مكافأته عند إظهار سلوك إيجابي.
 - وضع روتين يومي منتظم يساعده على التركيز.
 - التواصل المستمر مع المدرسة لمتابعة تطوره.
 
الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يمتلكون طاقات كبيرة وإبداعًا فطريًا، لكنهم يحتاجون إلى التوجيه الصحيح حتى تتحول طاقتهم إلى إنجازات ملموسة.
تاسعاً: التحديات الاجتماعية والنفسية
يواجه الأطفال المصابون بهذا الاضطراب صعوبات في تكوين الصداقات أو الحفاظ عليها بسبب الاندفاع الزائد أو المقاطعة المتكررة. وقد يتعرضون للتنمر من زملائهم، ما يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس والشعور بالعزلة.
كما أن استمرار الأعراض دون علاج قد يؤدي إلى مشاكل في المراهقة مثل السلوك العدواني أو ضعف التحصيل الدراسي. لذلك فإن التدخل المبكر عبر برامج علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يخفف الأعراض فحسب، بل يمنع المضاعفات المستقبلية.
عاشراً: الوقاية والتوعية
لا توجد وسيلة مؤكدة لمنع حدوث الاضطراب، لكن يمكن تقليل احتمالية الإصابة عبر:
- رعاية الأم الجيدة أثناء الحمل والابتعاد عن التدخين والكحول.
 - تغذية الطفل بشكل متوازن.
 - تقليل التعرض للأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة.
 - تعزيز التفاعل الاجتماعي الإيجابي في البيئة المنزلية والمدرسية.
 
كما أن التوعية المجتمعية ضرورية لتصحيح المفاهيم الخاطئة، فالكثيرون ما زالوا يعتقدون أن الطفل المصاب “مشاغب” أو “عنيد”، بينما هو في الحقيقة يحتاج إلى فهم ودعم ووسائل علمية فعالة ضمن علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه.
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليس حكمًا بالإعاقة أو الفشل، بل هو تحدٍّ يمكن التعامل معه بنجاح من خلال الفهم الصحيح والدعم الأسري والتربوي والعلاجي. فالطفل المصاب بهذا الاضطراب يمتلك طاقات هائلة وقدرات إبداعية غير محدودة، لكنّه يحتاج إلى البيئة المناسبة التي تساعده على توجيهها.
إن علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يهدف فقط إلى تقليل الأعراض، بل إلى تمكين الطفل من اكتساب مهارات التنظيم الذاتي والتفاعل الإيجابي مع الآخرين. ومع تطور أساليب العلاج النفسي والسلوكي، بات بالإمكان مساعدة هؤلاء الأطفال على الاندماج في المجتمع وتحقيق النجاح الدراسي والاجتماعي.
ولعل أهم ما يجب أن نتذكره هو أن الصبر، التفهم، والحب الصادق هي الأساس في رحلة التعافي. فكل طفل يملك طريقًا خاصًا نحو التميز، وما علينا إلا أن نمنحه الفرصة ليثبت قدرته على التألق رغم التحديات.